في عالم يملؤه الخداع… قصة الثعلب: الفريق محمد رفعت جبريل

في عالم يملؤه الخداع… قصة الثعلب: الفريق محمد رفعت جبريل
في عالم يملؤه الخداع… قصة الثعلب: الفريق محمد رفعت جبريل

 

في عالم يملؤه الخداع… قصة الثعلب: الفريق محمد رفعت جبريل

مقدمة: أسطورة من خلف الستار

في عالم يملؤه الخداع، هناك رجال لا تُقهر. رجال لا تراهم الكاميرات ولا تُخلّدهم الصور، لكنهم يكتبون التاريخ من خلف الستار. اليوم أمامنا قصة رجل واحد هز أعتى جهاز مخابرات في العالم: رجل جعل الموساد الإسرائيلي يصرخ في صمت، رجل تحوّل إلى شبح لا يُمسك، وثعلب لا يُصطاد.







نشأة الرجل: من قلب الصعيد إلى مدارج الجيش

وُلد محمد رفعت جبريل في قلب صعيد مصر طفلاً عاديًا بطموح استثنائي. كبر سريعًا والتحق بالجيش المصري فاختار سلاح المدفعية، لكن عقله لم يكن أسير المدافع. أدرك مبكرًا أن المعركة الحقيقية لا تُكسب بالقوة وحدها، بل بالعقل والدهاء والقدرة على المناورة.

الانخراط في عالم المخابرات

انضم جبريل إلى صفوف الضباط الأحرار وشارك في زمن التحولات الكبرى، قبل أن يدخل عالم المخابرات العامة المصرية. منذ تلك اللحظة بدأت رحلة لا تعرف الفشل أو التراجع، رحلة مليئة بالمخاطر والعمليات والأسرار التي لم تُكشف إلا بعد عقود.

عملية رأفت الهجان: إعادة العين داخل تل أبيب

في أحد المكاتب الصغيرة راجع جبريل ملفًا يحمل صورة رفعت الجمال—الجاسوس الأسطوري على وشك السقوط. العملية كادت تنهار حين اختفى الجاسوس، لكن جبريل رفض الفشل. تحرك بخطة ذكية سافر وتنكر وغيّر ملامحه حتى أعاد زرع رأفت الهجان داخل تل أبيب. هناك أصبح الهجان عين مصر، يرى كل شيء ويسمع كل شيء وينقل أخطر الأسرار من داخل إسرائيل. ولم تُكتشف حقيقته إلا بعد عقود حين كانت مصر قد ربحت المعركة بالفعل.

عملية باب المندب واختطاف ضابط الموساد

في ربيع 1973 وعلى باب المندب رصدت المخابرات شخصًا متنكرًا بهوية صحفي كويتي — كان ضابط الموساد باروخ مزراحي. نفّذ الفريق عملية أسطورية: استُخدمت غواصة مصرية لالتقاطه من قلب البحر بينما المقاتلات الإسرائيلية تجوب السماء. انتهت العملية بمقايضة تاريخية أعادت أسرى وعناصر إلى الوطن، وكتبت صفحة جديدة في سجل العمليات الناجحة.

قضية هبة سليم: فخ الموساد في باريس

في باريس سقطت فتاة مصرية تُدعى هبة سليم في شباك الموساد ظنًا منها أن المال والحب الزائف هما الحياة. أصبحت أخطر جاسوسة على الساحة، لكن أنظار المخابرات كانت تلاحقها. بخطة محكمة أقنعها جبريل أن والدها يحتضر فأعدّ لها المصيدة. عند هبوط الطائرة وجدت نفسها في قبضة المخابرات ثم إلى القاهرة ثم إلى حكم الإعدام. قصة تبدو كفيلم لكن حقيقتها كانت أكثر رعبًا وإثارة.

الكرسي داخل اجتماعات الموساد: مخاطرة لتحقيق الحسم

مع اقتراب حرب أكتوبر طلب الرئيس أنور السادات ما بدا مستحيلًا: وضع "كرسي" داخل اجتماعات الموساد. تجرأ على تنفيذ هذا الطلب رجل واحد هو رفعت جبريل. سافر وتسلسّل وزرع أجهزة تنصّت، وكان كل ثانية تهديدًا للموت. وصلت التسجيلات كاملة إلى القاهرة، وعندما استمع السادات ابتسم وأكد نجاح العملية قائلاً إنهم وضعوا الكرسي في قلب اجتماعات المتآمرين. كانت تلك واحدة من أعظم أسرار النصر.

تهديدات وكمائن: المكافآت ومحاولات الاغتيال

الموساد لم ينس الرجل؛ رُصدت مكافآت لمن ينجح في اغتياله. لكن كيف يُقتل شبح يتحرك في الصمت؟ كان جبريل يتنقل بهدوء، ينسج خيوطه، ويبتسم من عجز أعدائه عن الإمساك به. ظل لغزًا حيًا وأسطورة تمشي على الأرض حتى جاء ديسمبر 2009 ورحل بصمت كما عاش.

النهاية: رحل الجسد وبقيت الأسطورة

تكلّم مرة واحدة فقط للإعلام ليصحح بعض الأكاذيب عن بطولاته، لكن الحقيقة كانت أكبر من أي فيلم أو مسلسل. رحل الجسد وبقيت الأسطورة: فريق محمد رفعت جبريل، الثعلب المصري الذي دوّخ الموساد وأرعب إسرائيل، وترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة الصراع.

لماذا تهمنا هذه القصة اليوم؟

هذه القصة تذكّرنا أن التاريخ يُصنع أحيانًا بالعقول والصمت قبل أن يُصاغ بالأسلحة والضجيج. في زمن الإشاعات والضجيج الإعلامي، تبرز مثل هذه القصص لتؤكّد أن حجم الانتصار الحقيقي يكمن في التخطيط، الشجاعة، والقدرة على اتخاذ المخاطرة المحسوبة.

تعليقات