اندونيسيا: صعود العملاق المسلم من حافة الانهيار إلى قلب العالم

ما لا نعرفه عن اندونيسيا
ما كنا نعرفه عن اندونيسيا انها ضمن اقوى 20 اقتصادا في العالم وايضا الرابعة عالميا من حيث عدد السكان والخامسة عشرة عالميا من حيث المساحة، والان اضف لذلك كله انها باتت تملك جيشا ضمن نادي الاقوى عالميا ويصنف على انه الثالث عشر من حيث القوة، وهي بذلك اصبحت ثالث اقوى جيش مسلم بعد كل من تركيا وباكستان. ما يعني اندونيسيا لم تعد عملاقا نائما والدليل هو منافسة روسيا وامريكا والصين عليها، وهنا نحكي لك قصة صعود العملاق وصحوة اكبر بلد مسلم على الاطلاق.
اين كانت اندونيسيا واين اصبحت؟
قبل عقود قليلة وتحديدا قبل اقل من ربع قرن لم تكن اندونيسيا كالتي نعرفها اليوم. بلد مترامي الاطراف يضم اكثر من 17000 جزيرة، لكن خلف جمال الطبيعة كان هناك جحيم يلتهم الدولة: فقر، فساد، حروب اهلية وانقسامات تهدد بتقسيم الارخبيل الى دويلات صغيرة.
-
في الخمسينيات والستينيات بعد الاستقلال عن هولندا وجدت جاكارتا نفسها وسط دوامة صراعات طائفية وعرقية.
-
انتفاضات في الشرق، تمردات في الغرب، وحركات انفصالية مدعومة من قوى خارجية.
-
كادت اندونيسيا ان تتفكك تماما لولا تدخل الجيش للحفاظ على وحدة البلاد بثمن باهظ: عقود من الكتاتورية العسكرية والقمع بينما الشعب غارق في الفقر.
العقد الأسود والأزمة المالية
في السبعينيات انفجر الغضب من جديد: تضخم اقتصادي خانق، انهيار العملة، ازمات غذاء، ملايين تحت خط الفقر. كانت اندونيسيا تصنف وقتها كأحد افقر دول اسيا بينما دول صغيرة مثل سنغافورة وماليزيا قفزت بخطى ثابتة نحو التنمية.
ثم جاء العقد الأسود: الأزمة المالية الاسيوية عام 1997.
-
انهار الاقتصاد بالكامل.
-
انهارت البنوك والعملة.
-
فقد الملايين وظائفهم.
-
اندلعت المظاهرات في الشوارع واشتعلت جاكارتا بالنيران.
سقط نظام سوهارتو الذي حكم البلاد بالحديد والنار اكثر من 30 عاما. الجميع اعتقد ان النهاية اقتربت، لكن من قلب الفوضى ولدت المعجزة الاندونيسية.
المعجزة الاندونيسية وبداية الإصلاحات
بدأت مرحلة إصلاحات جذرية:
-
إعادة بناء النظام السياسي.
-
مكافحة الفساد بشكل صارم.
-
فتح الأسواق للاستثمارات العالمية.
-
التركيز على التصنيع بدل تصدير المواد الخام فقط.
النتيجة:
-
اندونيسيا اليوم هي الاقتصاد الـ16 عالميا بناتج يتجاوز 1.46 تريليون دولار.
-
يتوقع الخبراء ان تصبح سابع اكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030.
-
اكثر من 60 مليون شخص انتقلوا من الفقر الى الطبقة الوسطى خلال عقدين فقط.
-
تحولت جاكارتا الى قلب استثماري نابض في جنوب شرق اسيا.
خطوات النهضة الاندونيسية
1. القضاء على الفساد (1998 – 2004)
-
أطلقت جاكارتا لجنة مكافحة الفساد "كي بي كي" عام 2002.
-
خلال 5 سنوات فقط: تمت محاكمة اكثر من 300 مسؤول حكومي بينهم وزراء وقادة شرطة.
-
استعادة ما يزيد عن 3.5 مليار دولار من الأموال المنهوبة.
2. فتح السوق بشروط صارمة (2004 – 2010)
-
الرئيس سوسيلو بامبانج يودهويونو فرض نموذج اقتصادي خاص.
-
أي شركة أجنبية تدخل اندونيسيا يجب أن توظف 70% من العمالة المحلية.
-
فرض ضرائب تصاعدية على أرباح الشركات.
-
حماية الصناعات المحلية.
3. السيطرة على ثروات المستقبل (2010 – 2015)
-
التركيز على معدن النيكل.
-
عام 2014 حظرت الحكومة تصدير النيكل الخام.
-
تضاعف الإنتاج خمس مرات وقفزت العوائد من 3.3 مليار إلى 15.8 مليار دولار سنويا.
-
توقيع صفقة تاريخية بقيمة 6 مليارات دولار مع شركة صينية لبناء أكبر مصنع بطاريات في جنوب شرق آسيا.
4. الاستثمار في الإنسان قبل البنيان (2015 – 2020)
-
رفع ميزانية التعليم والبحث العلمي إلى 20% من الموازنة.
-
إطلاق برامج تدريب للشباب على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.
-
تضاعف عدد شركات التكنولوجيا الناشئة من 560 إلى أكثر من 2100.
-
ظهور شركات عملاقة مثل "جوجاك" و"توكوبيديا".
5. ربط الجزر وبناء الدولة من جديد (2020 – 2025)
-
شق أكثر من 3500 كم طرق سريعة لربط الجزر.
-
بناء 24 ميناء استراتيجيا.
-
إطلاق مشروع العاصمة الجديدة "نوساندرا" على جزيرة بورنيو بتكلفة 32 مليار دولار.
6. الانتقال إلى مصاف الكبار (2025 وما بعده)
-
اندونيسيا صارت اكبر مركز عالمي لإنتاج النيكل.
-
قوة تكنولوجية صاعدة تنافس ماليزيا وتايلاند.
-
محور جيوسياسي تتنافس عليه موسكو وواشنطن وبكين.
اندونيسيا والعملاق الإسلامي
رغم انها تضم اكبر عدد من المسلمين في العالم (أكثر من 242 مليون مسلم)، إلا أن حضورها في قضايا المسلمين كان باهتا بسبب:
-
الانشغال بالأزمات الداخلية.
-
السياسة الخارجية الحذرة.
-
البعد الجغرافي عن الأزمات في العالم العربي.
لكن اليوم، اندونيسيا تغيرت:
-
اقتصادها 1.46 تريليون دولار.
-
جيشها الثالث إسلاميا.
-
تتحكم في مضيق ملقة (أهم ممر بحري عالمي).
لعبة الكبار: صراع روسيا وأمريكا والصين على الأرخبيل
الصين – طريق الحرير الجديد
-
استثمارات تفوق 20 مليار دولار في البنية التحتية.
-
السيطرة على 40% من إنتاج النيكل.
أمريكا – سوبر جارودا تشايلد 2025
-
أكبر مناورة عسكرية في تاريخ اندونيسيا بمشاركة 12 دولة.
-
صفقة تاريخية مع جاكارتا: بيع 50 طائرة بوينغ + استثمارات طاقة بقيمة 15 مليار دولار.
روسيا – البوابة إلى آسيا
-
فتح خطوط تعاون عسكرية واقتصادية عميقة.
-
صفقات مقاتلات سوخوي وغواصات متطورة.
-
اندونيسيا عضو في مجموعة البريكس.
عندما يستيقظ العملاق
قبل ربع قرن كانت اندونيسيا على وشك الانهيار. اليوم أصبحت في قلب لعبة الأمم. السؤال: هل تكتفي بدور الورقة الرابحة في يد الآخرين، أم تصبح لاعبا حقيقيا يكتب قواعده ويؤثر في سياسات العالم؟
تعليقات
إرسال تعليق